[۴۶] [۴۷] [۴۸] [۴۹] [۵۰] [۵۱] [۵۲] [۵۳] [۵۴]
مسائل فی قاعدة الإقرار والمقاصّة النوعیة
هناک مسائل تتعلّق بأحکام العقود والإیقاعات والحقوق تختلف فیها آراء علماء الإمامیة عن آراء غیرهم من أرباب المذاهب الإسلامیة کلّاً أو بعضاً، فیسأل عن کیفیة تعامل الإمامی مع غیره فی موارد تلک المسائل.
وقد تعارف لدی فقهائنا المتأخّرین (رضوان الله تعالی علیهم) تخریج هذه المسائل علی قاعدة الإلزام، أی إلزام غیر الإمامی بأحکام نحلته.
ولکن حیث إنّ هذه القاعدة لم تثبت عندنا بطریق معتبر فلا بُدَّ من تطبیق تلک المسائل علی القواعد البدیلة لقاعدة الإلزام، کقاعدة المقاصّة النوعیة «خُذُوْا مِنْهُمْ کمَا یأْخُذُوْنَ مِنْکمْ فِی سُنَنِهَمْ وَقَضَایاهُمْ»، وقاعدة الإقرار، أی إقرار غیر الإمامی علی مذهبه ومعاملته بموجب أحکامه.
مسئله ۴۶ : یصحّ لدی الإمامیة النکاح من غیر إشهاد، ولکنّ العامّة اختلفوا فی ذلک، فمنهم من وافق الإمامیة فی ذلک، ومنهم من ذهب إلی فساد النکاح بدون الإشهاد وهم الحنفیة والشافعیة والحنابلة، ومنهم من ذهب إلی فساده بدون الإعلان وهم المالکیة. ولکنّ القائلین بفساده علی طائفتین:
فمنهم: من یری فی الأنکحة التی اختلف الفقهاء فی صحّتها وفسادها – کالعقد المذکور – أنّه لیس لأحد أن یتزوّج المرأة قبل أن یطلّقها المعقودُ له أو یفسخ نکاحها، وهؤلاء هم المالکیة وأکثر الحنابلة، فإذا کان الزوج من هؤلاء لم یمکن الزواج بالمرأة قبل أن یطلّقها أو یفسخ نکاحها.
ومنهم: من یری فی الأنکحة المختلف فیها أنّه یجوز الزواج من المرأة من غیر حاجة إلی فسخ أو طلاق، وهؤلاء هم الشافعیة والحنفیة.
فمتی کان الزوج منهم جاز الزواج بالمرأة بعد انقضاء عدّتها – إذا کانت ممّن تجب علیها العدّة عندهم – إقراراً للزوج علی مذهبه، وکذا یجوز للمرأة إذا کانت إمامیة أن تتزوّج بعد انقضاء عدّتها علی تقدیر وجوب العدّة علیها عندهم.
ولکنّ الأولی فی الصورتین – خروجاً عن الشبهة ومراعاةً للاحتیاط – التوصّل إلی طلاقها ولو من قبل الحاکم الشرعی إذا کان الزوج ممتنعاً منه.
مسئله ۴۷ : لا یجوز عند العامّة الجمع بین العمّة وبنت أخیها، أو بین الخالة وبنت أختها، بمعنی أنّه یبطل کلا العقدین إذا تقارنا فی الوقوع، کما یبطل المتأخّر منهما متی سبق أحدهما الآخر.
وأمّا عند الإمامیة فیجوز عقد العمّة علی بنت أخیها والخالة علی بنت أختها مطلقاً، کما یجوز عقد بنت الأخ علی العمّة وبنت الأخت علی الخالة مشروطاً بسبق العقد أو لحوقه برضا العمّة أو الخالة.
وعلیه فإذا جمع العامّی بین العمّة وبنت أخیها أو الخالة وبنت أختها فی النکاح جاز للإمامی أن یعقد علی أی منهما مع تقارن العقدین، بل علی کلیهما مع رضا العمّة أو الخالة، کما یجوز له مع عدم التقارن أن یعقد علی المعقودة بالعقد المتأخّر ولو کانت هی بنت الأخ أو الأخت وکان عقدها مع رضا العمّة أو الخالة. وهکذا الحال بالنسبة إلی کلّ واحدة منهما إذا کانت إمامیة.
مسئله ۴۸ : لا تجب العدّة علی المطلّقة الیائسة والصغیرة علی مذهب الإمامیة ولو مع الدخول بهما، ولکن تجب علی مذهب العامّة علی خلاف بینهم فی شروط ثبوتها علی الصغیرة، فإذا کان الزوج عامّیاً فطلّق زوجته الصغیرة أو الیائسة وکان مذهبه ثبوت العدّة علیها أُقرّ علی ما یراه فی مذهبه من أحکامها، کفساد العقد علی أختها خلال فترة العدّة، وکذا سائر من یحرم عندهم نکاحها جمعاً.
والأحوط لزوماً للإمامی أن لا یتزوّجها قبل انقضاء عدّتها، وأن لا ¬تتزوّج هی قبل ذلک إن کانت إمامیة أو صارت کذلک، کما أنّ الأحوط لزوماً لها أن لا تأخذ نفقة أیام العدّة من الزوج وإن فرض ثبوت النفقة لها علی مذهبه، إلّا تطبیقاً لقاعدة المقاصّة النوعیة مع توفّر شروطها.
مسئله ۴۹ : تشترط فی صحّة الطلاق عند الإمامیة جملة من الشروط التی لا تشترط عند سائر المذاهب الإسلامیة کلّاً أو بعضاً، فإذا طلّق غیر الإمامی زوجته بطلاق صحیح علی مذهبه وفاسد حسب مذهبنا جاز للإمامی – إقراراً له علی مذهبه – أن یتزوّج مطلّقته بعد انقضاء عدّتها إذا کانت ممّن تجب علیها العدّة فی مذهبه، کما یجوز للمطلّقة إذا کانت من الإمامیة أن تتزوّج من غیره کذلک.
وفیما یلی بعض الشروط التی تعتبر فی صحّة الطلاق عند الإمامیة ولا تعتبر عند غیرهم کلّاً أو بعضاً:
- ۱- أن یکون الطلاق فی طهر غیر طهر المواقعة.
- ۲- أن یکون منجّزاً غیر معلّق علی شیء.
- ۳- أن یکون باللفظ دون الکتابة.
- ۴- أن یکون عن اختیار لا عن إکراه.
- ۵- أن یکون بحضور شاهدین عدلین.
مسئله ۵۰ : یثبت خیار الرؤیة علی مذهب الشافعی لمن اشتری شیئاً بالوصف ثُمَّ رآه وإن کان المبیع حاویاً للوصف المذکور، ولا یثبت الخیار علی مذهب الإمامیة فی هذا المورد، فإذا کان المذهب الشافعی نافذاً علی الإمامیة – بحیث کان المشتری الشافعی یأخذ البائع الإمامی بالخیار فی هذه الحالة – فللمشتری الإمامی أن یقابل بالمثل فیأخذ البائع الشافعی بالخیار فی هذه الصورة عملاً بقاعدة المقاصّة النوعیة.
مسئله ۵۱ : ذهب أبو حنیفة والشافعی إلی عدم ثبوت الخیار للمغبون، ومذهبنا ثبوته له. والظاهر أنّ محلّ الکلام فی الثبوت وعدمه لا یشمل ما إذا کان بناء المغبون علی عدم الاکتراث بالقیمة وشراء البضاعة أو بیعها بأی ثمن کان، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الخیار له حینئذٍ، وکذا لا یشمل ما إذا کان بناء المتعاملین علی حصول النقل والانتقال بالقیمة السوقیة لا أزید واعتمد المغبون علی قول الغابن فی عدم الزیادة، فإنّ الظاهر ثبوت الخیار له هنا عند الجمیع من جهة الغرور، وکذا لا یشمل ما إذا کان الثابت بحسب الشرط الارتکازی فی العرف الخاصّ حقّاً آخر غیر حقّ الفسخ کحقّ المطالبة بما به التفاوت.
وعلی أی حال، ففی کلّ مورد کان مذهب الإمامی ثبوت خیار الغبن ومذهب العامّی عدم ثبوته یجوز للإمامی – أخذاً بقاعدة المقاصّة النوعیة – أن یلزم العامّی بعدم ثبوت الخیار له، وذلک حیث یکون المذهب العامّی هو القانون النافذ علی الجمیع بحیث یلزم به الإمامی أیضاً.
مسئله ۵۲ : یشترط عند الحنفیة فی صحّة عقد السَّلَم أن یکون المُسْلَم فیه موجوداً حال العقد، ولا یشترط ذلک لدی الإمامیة، فإذا کان المذهب الحنفی نافذاً علی الإمامیة بحیث کان المشتری الحنفی یلزم البائع الإمامی ببطلان هذا العقد، جاز للمشتری الإمامی أن یلزم البائع الحنفی بالبطلان فی مثله بمقتضی قاعدة المقاصّة النوعیة. وهکذا الحال لو صار المشتری إمامیاً بعد ذلک.
مسئله ۵۳ : ذهب العامّة إلی أنّ ما فضل عن السهام المفروضة یرثه عصبة المیت – کالأخ – وعدم ردّه علی ذوی السهام أنفسهم، وذهب الإمامیة إلی خلاف ذلک، فمثلاً: لو مات الشخص وخلّف أخاً وبنتاً فقد ذهب الإمامیة إلی إعطاء البنت نصف ترکته فرضاً والنصف الآخر ردّاً، وعدم إعطاء الأخ شیئاً، وأمّا العامّة فقد ذهبوا إلی إعطاء النصف الثانی للأخ لأنّه من عصبة المیت.
فإذا کان المذهب العامّی نافذاً علی الوارث الإمامی بحیث لا یردّ إلیه الفاضل علی سهمه، فللعصبة إذا کانوا من الإمامیة أخذُ الفاضل علی سهم الوارث العامّی منه بمقتضی قاعدة المقاصّة النوعیة.
مسئله ۵۴ : ترث الزوجة علی مذهب العامّة من جمیع ترکة المیت من المنقول وغیره والأراضی وغیرها، ولا ترث علی المذهب الإمامی من الأرض لا عیناً ولا قیمة، وترث من الأبنیة والأشجار قیمة لا عیناً.
وعلی ذلک فلو کان المذهب العامّی نافذاً علی الشیعة بحیث تورّث الزوجة العامّیة من الأرض ومن عین الأبنیة والأشجار إذا کان بقیة الورثة من الإمامیة، فللزوجة الإمامیة أیضاً أن تأخذ ما یصل إلیها میراثاً من الأراضی وأعیان الأبنیة والأشجار حیث یکون سائر الورثة من العامّة.